المتطلبات القانونية والثورة الصناعية الرابعة

د. عبد القادر ورسمه

في الثورة الصناعية الأولى تم تحويل المجتمعات الريفية الزراعية الي صناعية بسبب البخار وصناعة الحديد والنسيج، وبسبب الكهرباء والنفط أتت الثورة الثانية، ثم ظهرت الثورة الصناعية الثالثة “الثورة الرقمية” بسبب الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والانترنت. ونظرا لأن تقنية المعلومات بلا حدود ظهرت الثورة الصناعية الرابعة بسبب التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت جزء من المجتمع. وتتميز الثورة الصناعية الرابعة في اختراق التكنولوجيا الناشئة لعدة مجالات ك”الروبوت”، الذكاء الاصطناعي، الحوسبة والتكنولوجيا الحيوية والنانو، إنترنت الأشياء، الطباعة ثلاثية الأبعاد، والسيارات ذاتية السير.

Asia 728x90

تختلف الثورة الصناعية الرابعة عن الثورات السابقة لتميزها بالتقنية التكنولوجيةالذكية. وهذه التقنيات ذات إمكانيات لتوصيل كل العالم بال”ويب”، تحسين كفاءة الأعمال والمؤسسات بشكل جذري عبر الإدارة الأفضل. تم استخدام كلمة “الثورة الصناعية الرابعة” لأول مرة في المنتدي الاقتصادي العالمي في عام 2016، الذي ابتدرمناقشة النهضة الصناعية الجديدة وآثارها. وبفضل التطور والتقدم التقني سيحل الروبوت مكان الانسان في العديد من الأعمال الدقيقة حتي في جسم الانسان عبر العمليات الجراحية. والأن تتجول الطائرات “الدرون” وغيرها في السماء بدون كابتن وتؤدي الكثير من المهام، والسيارات ذاتية السياقة تغزو الطرقات وتتباري الشركات في انتاج المزيد. وعبر تقنية انترنت الأشياء يتم تفعيل عدة نشاطات وبرامج مع بعض، وبدائل الذكاء الاصطناعي تتدخل في المعمار والمباني التقنية والمدن الذكية، وفي غيرها من مجالات الحياة الضرورية اليومية دون الحاجة لليد البشرية والقوة العضلية.. وهكذا، عبر الثورة الصناعية الرابعة، سنواجه مجالات حياتية ضرورية تتحكم فيها التقنية وفق برامج سوفت وير فائقة التقنية والمتسارعة لأخذنا لعالم ذكي جديد مثير خطير لا نهائي، ويحمل بين طياته الإيجابيات والسلبيات، الصالح والطالح، المفيد والضار، الأبيض والأسود، القانوني وغير القانوني وهكذا، فهي مرحلة جديدة في حياتنا بسبب هذه الثورة الصناعية التقنية الذكية الجديدة..

ان هذه المرحلة، لا تخلو من المخاطر، ومن أهم هذه المخاطر دون شك، نجد المخاطر القانونية التي لا بد من مواجهتها وحسن ادارتها لتحقيق الفوائد المرجوة والا طفح الكيل وخرج المارد التقني وخرجت الحياة عن السيطرة. ومن حسن ادارة هذه المخاطر، العمل الذكي علي توفير التشريعات الحديثة لتتم هذه التقنية وتتكاثر وفق الضوابط المحكمة، وبدون انتهاك للقانون، ومراعاة للخصوصية الشخصية، وعدم انتهاك الحرمات القانونية والاجتماعية والاقتصادية، وغيره.

وهناك حالات بسيطة، لكنها مؤثرة، وقد تحدث أضرارا بسبب التقنية الآلية  الذكية وعدم التدخل البشري اليدوي الفوري. مثلا، السيارات ذاتية السير مبرمجة للحركة والسير التلقائي، فماذا يحدث لو أن اشارة المرور في الطريق تعطلت فجأة. لا أعتقد أن السيارة ذاتية السير ستفهم أن اشارة المرور تعطلت ولكن الشخص السائق يري هذا بأم عينيه. أيضا، يتم استخدام الطائرات الدرون في حالات ضرورية انسانية كتوصيل الدواء السريع لنجدة مريض، ولكن الدرون تمر فوق رؤؤوسنا عبر عدة أماكن وبيوت وتنتهك الخصوصية الشخصية. نعم هذه حالة طارئة مستعجلة ولكن هل نوفر البديل لاقتحام مجال وحرم الآخرين وخصوصيتهم. والطبيب يتخذ قرارات هامة للانقاذ أثناء الجراحة، ولكن الروبوت يعمل فقط حسب البرنامج المعد، والأمثلة كثيرة وكلها لها تبعات قانونية.

تعد الجرائم الإلكترونية من أبرز مخاطر الثورة الصناعية الرابعة، ونعلم ان الهجمات الإلكترونية كبدت دول العالم المليارات كل عام وارتفع عدد الشركات التي تعرضت للهجمات. وقطاع الخدمات المالية الأكثر عرضة للهجمات والخسائر الطائلة. واعترف الكثير من المدراء التنفيذيين بأن أكبر مشكلة تواجههم حاليا هي الجرائم الالكترونية، وستظل في زيادة طالما يتم استخدام التقنية الالكترونية في الحياة اليومية. كذلك ستزيد هذه الجرائم لقلة الوعي بمخرجات الثورة الصناعية الرابعة وعدم توفر التدريب وتطوير وسائل الحماية. وما يأتي له مخاطر نجهلها ونجهل عواقبها.  

وهناك مسائل لوجستية تتمثل في أن الآلة أكثر انتاجا وفوق هذا لا تمل ولا تشتكي ولا تتذمر ولا تتأخر ولا تمرض، ولذا يفضلها أصحاب المصانع والمتاجر. وهنا مكمن الخطر لأن الكثير من الوظائف اليدوية ستتوقف. ولذا عندما أصدرت أمريكا أول قانون لتنظيم الذكاء الاصطناعي كان من أهم فقراته الحفاظ علي القوي البشرية العاملة ليكون هناك توازن في الحياة والا فقد الانسان معنى الحياة وأهميته في الكون، وهذا سيزيد الجريمة والتفكك الأسري والاجتماعي.

كل هذه المعطيات بسبب الثورة الصناعية الرابعة تحتاج للتهيئة والسيطرة عبر عدة مسائل من أهمها التشريعات القانونية الحديثة واللوائح والأوامر التنفيذية الصادرة بموجبها. نقول هذا، لأن التقنين مهم وضروري حتي تنمو هذه الثورة الصناعية في ظل القانون ووفق أحكامه، مع مراعاة أن تكون التشريعات مرنة لتتعامل مع التطورات التقنية في أي مكان وأي زمان، ولتستفيد البشرية من مخرجات الثورة التقنية وترتقى الحياة وتتطور بعيدا عن المخاطر القانونية والتقنية الالكترونية وهكذا نسير حتي تأتي الثورة الصناعية الخامسة وما بعدها.

د. عبد القادر ورسمهع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات