الخميس 9 أغسطس 2018 جريدة عمان أخطار جرائم السايبر الالكترونية علي البنوك

د. عبد القادر ورسمه غالب

تواجه البنوك الآن خطرا داهما يتمثل في ظهور نوع جديد وجيل متطور من الجرائم الحديثة المستحدثة التي تختلف تماما عن الجرائم التقليدية التي يعرفها الجميع، والجرائم الحديثة تتم عبر الكمبيوتر والانترنت وغيرهم وتسمي بالجرائم الالكترونية أو جرائم السايبر المحلقة عبر الأثير.  

Asia 728x90

تطور التكنولوجيا في شتى المجالات قاد إلى ثورة علمية قادت بدورها لظهور الانترنت ووسائل التواصل التقنية، وتم استخدام هذه التكنولوجيا الافتراضية في مجالات العلوم وهذا التطور أدي لاستخدام الانترنت ومن معه للولوج إلى أعماق كل أنواع المعرفة ومصادر المعلومات وتخطي الحواجز الاجتماعية والسياسية والعرقية التي كانت تحكم تصرفات البشرية لفترة طويلة.

ويمكن أن نقول، دون منازع، أن طوق كل الحواجز قد انكسر وزالت كل الحدود المعرفية بظهور الانترنت وأصبح بمقدور أي شخص ومن أي مكان الحصول على المعلومات التي يرغب فيها بمجرد الضغط على الزر في الجهاز أمامه وأصبح العالم (قرية صغيرة) يمكن التجول في جميع أركانها في لحظة زمان وأخذ المعلومات بل وإصدار التعليمات أثناء هذا التجوال. وأصبح الملايين يستخدمون الانترنت ووسائل التواصل في دراساتهم أو أعمالهم أو تجارتهم، والعدد يتزايد يوميا لأن التعامل بوسائل التقنية أصبح ضرورة ملحة.

ولكن هل هذا التطور العلمي وهذه الثورة التقنية بدون سلبيات أو لنقل (منغصات)؟ الإجابة بالطبع (لا) لأن هناك العديد من المآخذ والسلبيات ومن أخطرها سوء استخدام ثورة المعلوماتية وتسخيرها في ارتكاب الجرائم المستحدثة.

وهذا النوع الجديد من الجرائم السبرانية في تطور سريع مضطرد ويشكل هاجسا للحكومات والأجهزة الأمنية والمصرفية ولا بد من اتخاذ الإجراءات ضد هذه الجرائم العصرية التي تختلف كليا عن الجرائم التقليدية، وإلا ستكون العواقب وخيمة.

هناك أوجه خلافات بين الجرائم التقليدية والعصرية الالكترونية السبرانية. ومنها، أن الجرائم التقليدية تأخذ أو ترتكب في وقت معين ومحدد وبحركات مادية معينة مثل وقت وكيفية ارتكاب جريمة القتل أو السرقة أو تجاوز سرعة المرور المحددة والكل يشاهد.

  ان الأبعاد الإجرامية التقليدية محددة وتم تعريفها قانونا كجرائم محددة وفقا للقانون في البلد أو المكان الذي ارتكبت فيه. وهذا القانون صدر من الجهات التشريعية المختصة، مثل قانون العقوبات أو قانون الشركات أو قانون المعاملات في البلد المعني وذلك وفقا لمبدأ (لا جريمة بدون نص).

وكذلك، مكان ارتكاب الجريمة التقليدية أو كما يقولون مسرح الجريمة (كوربص ديليكتي) معروف ومحسوس ماديا مثل وجود جسد الضحية وآثار الجريمة في مكان ارتكاب الجريمة أو علي الجسم.. “…وان كان قميصه قد من دبر…”.  

  وهناك أيضا نوع من الثقافة والعلم بان ما حدث أو سيحدث يشكل جريمة أو مخالفة للقانون وهذه الثقافة أو العلم قد تكون متوفرة للجميع بدرجة تمكنهم من عدم ارتكاب جريمة أو منع حدوثها وذلك حتى لا يكونوا عرضة للمسائلة القانونية فالجميع يعلم أن القتل أو النهب جريمة كبرى يعاقب عليها القانون.

هذه بعض السمات العامة التي تتميز بها الجرائم التقليدية (إذا حاز لنا أن نستخدم هذا التعبير)، والجرائم    السبرانية قلبت مفهوم الجريمة رأسا على عقب لأنها لا تتقيد بالمكان أو الزمان أو الوقت وإضافة لهذا، لا يتوفر حتى الآن بصفة كافية أي نوع من الثقافة أو العلم بهذه الجرائم أو كننها مما يجعل مجابهتها أو التصدي لها أمرا صعبا ومتشبعا بالغموض. ولهذا، لا بد من إصدار التشريعات الملائمة لهذا الاجرام.  

هناك محاولات جادة لتعريف جرائم السايبر التي تتم بواسطة الكمبيوتر والانترنت وغيرهم، وفي هذا الخصوص، هناك من ركز علي تعريف “الأشخاص” مرتكبي الجريمة مثل الهاكرز أو ارهابيي الكمبيوتر من مرتكبي جرائم الباقات البيضاء. وفي نفس الوقت ان البعض، في سعيهم لإيجاد التعريف القانوني، لم يركز على الأفراد وإنما على “الفعل” أو التصرف الذي قام به الفرد، مثل التعدي الالكتروني.  

ونخلص القول، أنه لا يوجد تعريف واضح وموحد لجرائم السايبر العصرية بالرغم من المحاولات العديدة التي قامت بها بعض الدول والأمم المتحدة والمجموعة الأوروبية، ونحتاج لزمن طويل ومثابرة وتكاتف دولي لتعريف هذه الجرائم التي لا تعرف الحدود الجغرافية أو السياسية.   

بالنسبة للبنوك فان أهم الجرائم الالكترونية تتم بالتعدي علي الحسابات المصرفية بواسطة هذه الأجهزة، أي انتهاك حرمة الآخرين دون مسوغ أو مبرر قانوني وهذا يتم عن طريق أفراد يتمتعون بخبرة ودراية طويلة في التعامل مع هذه الأجهزة المتطورة. ولا بد للبنوك من توفير التدريب الكافي لموظفيها لمواجهة هذه الجرائم التي تدخل في خفة تامة ودون أن يشعر بها أحد، والمجابهة الحذرة هنا تتطلب وجود الأطقم النظيفة والمؤهلة تأهيلا تقنيا عاليا.

إن ارتكاب جريمة  التعدي يتم في الغالب لأسباب شخصية أو سياسية أو اقتصادية وتقوم النفوس الإجرامية بالتعدي على البنوك للحصول على بعض المعلومات بقصد الاستفادة منها أو نشرها أو كشفها لجهات معينة أو للجمهور وذلك لأسباب سياسية بقصد إحراج الحكومة مثلا أو بغرض الابتزاز وطلب المال من البنوك أو العملاء أو الشركات. وهناك من يتعدى بغرض تقديم المعلومات للبنوك أو لجهات منافسة أي بغرض الجاسوسية أو حتى بغرض الإرهاب الاقتصادي أو السياسي…الخ. وفي العادة يتم التعدي بإدخال فيروسات في الجهاز لاستخدامها عند الحاجة في الحال أو في المستقبل.

ونلاحظ أن هذه الجريمة انتشرت كثيرا في الآونة الأخيرة وتعرضت لها الكثير من البنوك ومن الممكن أن تؤثر على العمليات التجارية وأعمال البنوك إذا تم ارتكابها لهذه الأغراض الإجرامية، ولذا لا بد من اخذ الحيطة وتحصين كل الأبواب التي قد يدخل منها التعدي بمضادات الفيروسات وغيره.

كذلك جريمة السرقة الالكترونية التي تتمثل في الحصول بأي وسيلة على نسخة من مطبوعات أو بيانات أو صور خاصة بشخص أو سرقتها الكترونيا دون علمه حيث يتم تداولها أو التلاعب بها بطريقة تخالف القانون ودون علم صاحبها. وفي مثل هذه الحالة ربما يكون بيع الصورة في بلد ويتم دفع الحساب بواسطة بنك في بلد آخر وعند اكتشاف الجريمة يكون المبلغ قد تم أخذه من البنك.

وانتشرت السرقة الالكترونية والتلاعب في بطاقات الائتمان والسحب وغيرها، وهناك جريمة الابتزاز الالكتروني وتشويه السمعة والتهديد بتدمير الأجهزة وسرقة “الدومين نيم” وغير هذا من الجرائم التي تشكل وضعا إجراميا جديدا لا بد من متابعته بغرض تحديده ثم مجابهته.

ومازالت الجهود، في نظرنا، لم تصل المدي لتحديد هذه الجرائم وتعريفها وحصرها خاصة وإن التقنية تتجدد يوميا ولا تعرف الحدود أو المكان أو الزمان وهناك من يستغلها سلبا، وعلى البنوك أن تبذل كل الجهود وان تتكاتف مع الجهات الرسمية لأن انتشار جرائم السايبر يؤثر على عملها.

يحضرني هنا ما قالته وزيرة العدل الأمريكية السابقة حيث قالت أن من أهم التحديات القانونية التي تواجه البشرية الآن، وأمريكا بصفة خاصة، هي الجرائم الالكترونية الحديثة التي لا تعرف الحدود أو الضوابط القانونية التقليدية المتبعة حاليا لحد كبير. وأعتقد أن الكثير منا يتفق مع ما ذهبت اليه.

نأمل أن يتم إصدار التشريعات المناسبة الحديثة لأن التطورات التقنية تزداد وتتوالد في كل يوم بل وفي كل لحظة. وبدون شك، الأهمية تنبع من أن الصيرفة الالكترونية أصبحت واقعا معاشا يثبت لنا وجوده    وفعاليته في كل يوم، وعلى البنوك بذل الجهود لمتابعة التطورات بكل همة.

ويجب على البنوك أن تكون مستعدة للمقارعة بنفس الأسلحة التقنية التي يتم استخدامها في الجرائم الالكترونية ضدها وضد العملاء والشركاء وأصحاب المصلحة. ومما لا شك فيه، أن تحديد ومجابهة جرائم السايبر الالكترونية يحتاج للوقت ولكن لا بد من بداية المشوار والسير في الاتجاه الصحيح حتى نعيد للعمل المصرفي رونقه و نبعده من هذه الجرائم النتنة. وهناك مسؤولية مباشرة علي كل بنك لحماية نفسه بنفسه من الطوفان، ولنا عودة بمقترحات عملية.

 

د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمستشار القانوني الرئيس

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات

المنامة – المنطقة الدبلوماسية – برج الدبلومات