الخميس 7 سبتمبر 2017 جريدة عمان – بعض أعمال مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا – مينا فاتف


د. عبد القادر ورسمه غالب

تقوم “مينا فاتف” بأعمال هامة، خاصة تلك المتعلقة بمكافحة غسل الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب وتنفيذ أحكام اتفاقيات الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (اتفاقية باليرمو) واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (اتفاقية ميريدا)، اضافة لكل التوجهات الدولية الأخرى الصادرة في هذه المجالات. ولتتمكن “مينا فاتف” من تنفيذ الأدوار المنوطة بها قامت بتكوين لجان متخصصة في عدة مجالات لضمان تنفيذ الأدوار بصورة سلسة وسليمة تعود بالفائدة علي الدول الأعضاء خاصة وعبرهم علي المجتمع الدولي.

Asia 728x90

من أهم اللجان نشير للجنة “الحوالة” وهي ممارسة تحويل النقود من بلد لآخر بعيدا عن البنوك كتحويل بديل و”تحويل غير رسمي أو بعيد عن المنافذ الرسمية” حيث يقوم الشخص بتسليم نقود “كاش” لشخص مسافر لبلده أو يسلم النقود لشخص هنا علي أن يقوم عبر طرقه بتسليمها لأهل المرسل في بلده وقد يكون التسليم “من الباب للباب”. وهذه الممارسة مستمرة منذ فترة طويلة، خاصة بين المغتربين من آسيا وأفريقيا، وذلك استنادا للثقة العمياء بين الأطراف أو لعدم توفر البنوك ومكاتب الصرافات وصناديق البريد أو ربما للالتفاف علي سعر الصرف الرسمي المجحف.. لكن ممارسات الحوالة البريئة تم اختراقها بواسطة بعض الأيادي والعقول الإجرامية ولذا ظهرت الحاجة لتقنين هذه الممارسات بل ولحمايتها حتى لا تكون منفذا سائغا لغسل الأموال أو تمويل الإرهاب أو معبرا للجرائم المنظمة والفساد المفسد بواسطة جهات قد تستغل ممارسة “الحوالة” البريئة الساذجة. ولذا نشأت الحاجة لدراسة أمر “الحوالات” ومن المهام التي قامت بها اللجنة العمل علي تعريف “الحوالة” وتحديد المخاطر المرتبطة باستغلالها في غسل الأموال أو الإرهاب أو الفساد مع التوصية للدول التي تنتشر فيها ممارسة “الحوالة” بإتباع التوصيات الأربعين الصادرة من مجموعة العمل المالي “فاتف” الخاصة بمكافحة غسل الأموال زائدا التوصيات التسعة الإضافية الخاصة بتمويل الإرهاب مع توجيه الدول بضرورة إصدار التشريعات الضرورية لتقنين النشاط ومراقبته بإنشاء وحدات خاصة لمراقبة “الحوالة” وتوعية الأطراف المرتبطة بها مع الحرص علي تبادل المعلومات بشأن “الحوالة” مع بقية الدول ليكون هناك تنسيق عالمي بين الجميع.

ولمراقبة نقل “النقود” بين الدول، تكونت لجنة لدراسة أمر مراقبة نقل النقود بين الدول خاصة وأن هذا النشاط قد يوفر مناخا خصبا لغسل الأموال أو تمويل الإرهاب وغير ذلك من النشاطات الإجرامية التي تحرمها الاتفاقيات الدولية التي تلتزم بها مينا فاتف. وتمت التوصية بالحرص علي تنفيذ توصيات مجموعة العمل المالي “فاتف” وخاصة الفقرة التاسعة وغيرها من التوصيات المرتبطة بمراقبة حركة تنقل النقود من بلد لآخر خاصة وأن هذا النشاط متوسع.. ونشأت الحاجة أيضا لمراقبة عمل “المنظمات التطوعية أو الجمعيات الخيرية” خوفا من استغلال الأموال المقدمة لهذه النشاطات الإنسانية، الرفيعة المعاني النبيلة المقاصد، في غسل الأموال والإرهاب والفساد … وحتى لا يتم استغلال الأهداف الإنسانية النبيلة في تحقيق الأهداف الإجرامية، تنادي التوصيات بوضع التشريعات الضرورية المنظمة للعمل الخيري وكيفية مراقبة الأموال المرتبطة به حتى تتبرأ تماما من كل الشبهات، مع تقديم التوجيهات الاسترشادية للدول في كيفية تنظيم أعمال الجمعيات الخيرية والأعمال التطوعية الإنسانية من كل النواحي القانونية والإدارية والتنفيذية وخلافه، وأيضا كيفية تنسيق وتنظيم العلاقات مع الجمعيات التطوعية الأجنبية لأن هذا المنفذ قد يتم استغلاله لتحقيق بعض المآرب الدنيئة خاصة وأن مثل هذه الممارسات ثبتت وتم اكتشاف بعض الحالات ولكن هذا النذر القليل، بكل أسف، أصاب العمل الخيري في مقتل حيث تم وضعه في خانة “الشبهة” ونعلم أن العديد من الجمعيات الخيرية تأثرت كثيرا..

ومن الأعمال الهامة يجب أن نشير إلي “لجنة الأشخاص السياسيين ممثلي المخاطر” حيث تم إعداد توصيات للاسترشاد من أهمها تعريف “الأشخاص السياسيين” وتعريف “المخاطر” المرتبطة بهم وكيفية التعامل مع هؤلاء الأشخاص مع كيفية تحديد المخاطر (هل مرتفعة أو متوسطة أو منخفضة) والتعامل مع كل حالة علي حدة  وتحديد مجال الالتزامات المفروضة وكيفية الاستفادة من تجارب الدول الأعضاء في المجموعة في التعامل مع الأشخاص السياسيين، وأيضا التعامل مع المتغيرات المرتبطة بالشخص السياسي مثل جنسيته ووضعه الوظيفي \ الدستوري ومدي تأثيره المباشر أو البعيد وما نوع الخدمات التي ستقدم له أو لشركاته أو أقربائه، والجهات الخارجية المرتبط بها الشخص السياسي وكذلك الأطراف المرتبطة به أو الأقارب… وهذه الفئة من المفترض أن تكون قدوة وتتنزه عن الصغائر والمصالح الذاتية.. ولكن قد نجدهم في  الطريق الخطأ وبالسرعة الفائقة الجنونية… ولذا لا بد من الحذر كل الحذر.

وهناك أيضا لجنة “الأعمال والمهن غير المالية المحددة” وهذه اللجنة تهتم بتعريف الأعمال والمهن “المحددة” غير المالية مثل المحاماة والتوثيق والمحاسبة والصناديق ووكلاء العقارات ومسجلي الشركات وتجار الذهب والمعادن النفيسة والأحجار الكريمة و تجار السيارات واليخوت والمقتنيات القديمة القيمة والغالية… 

ومن واقع تجربتنا، لا بد من القول أن اللجوء إلي هذه الأعمال والمهن يتم بعد أن قامت البنوك بتشديد الرقابة علي غسل الأموال ومحاربتها بضراوة للقضاء عليها عبر عدة توجيهات من أهمها “أعرف عميلك” و”أعرف عميل عميلك” و”أعرف عميل عميل عميلك” … وهكذا تم تشديد الرقابة وسد المنافذ في البنوك. ولكن نظرا لأن الجريمة بدأت مع بداية الخليقة ولن تتوقف حتى يرث الله الأرض وما عليها، لجأ المجرمون إلي وسائل بديلة من ضمنها استخدام هذه الأعمال الحرة والمهن الشريفة في تنفيذ عمليات تمويهية باستخدام أموال قذرة يطلبها بعض العملاء مثل الإيداع المالي والسحب أو عمليات الصرف الأجنبي أو استلام وإرسال التحويلات الدولية للأموال أو شراء وبيع الأسهم أو العقارات أو السيارات أو الرسومات الفنية الغالية أو شراء الذهب والمعادن النفيسة.. وهناك حالات أخطر مثل رفع الدعاوي  الوهمية الصورية بغرض الحصول علي أحكام قضائية لإعطاء صبغة شرعية للأموال أو التلاعب في الحسابات وفبركتها… ولا بد من أن نبين أن أصحاب الأعمال والمهن قد يتم استغلالهم دون علمهم ومن دون أن يكون لهم أدني فكرة في نية الطرف الآخر الإجرامية..

ومرت علينا حالات عديدة تم فيها استخدام بعض مكاتب المحاماة ومسجلي الشركات ووكلاء العقارات بل بعض أصحاب المكاتب التجارية ووكلاء الشركات الأجنبية وغيرهم من الأبرياء بيض الأيادي… ولهذا تم وضع ضوابط استرشادية وفقا للتوصيات الأربعين الصادرة من فاتف”، وتنادي الضوابط  بالحرص علي وضع الأنظمة للحيلولة دون استغلال هذه المهن في غسل الأموال أو تمويل الإرهاب لأن هذا الأمر وارد لحد كبير مما يتطلب وضع التشريعات لتقنين ممارسات هذه المهن والأعمال والإشراف عليها بل مراقبتها لمنع اختراقها لتحقيق المقاصد الإجرامية، مع وضع كل البدائل الضرورية لتمكين العاملين فيها من معرفة و “شم” الجرائم وكيفية تجنبها والتبليغ عنها للجهات الرسمية.

هذا وما زال المشوار طويلا ومحفوفا بالصعاب، وما زالت “مينا فاتف” تنظر في تطوير توصيات اللجان الفنية المتخصصة والقيام بتقديم الدراسات وأوراق العمل من أجل توفير أفضل الخدمات لتنفيذ الممارسات السليمة “المنضبطة” في ربوع الدول الأعضاء وبما يحول دون ارتكاب جرائم غسل الأموال أو تمويل الإرهاب أو الجرائم المنظمة أو الفساد في منطقة “المينا” … التي نأمل تنظيفها من كل الممارسات القذرة، ولتستمر همة “مينا فاتف” العالية في تحقيق هذا الأمل الذي ينشده الجميع…

 

د. عبد القادر ورسمه غالب

خبير قانوني