الخميس 28 مارس 2019 جريدة عمان هيئات وأسواق المال ومكافحة الجريمة الالكترونية



د. عبد القادر ورسمه غالب

تم تقديم سؤال مباشر لبعض مدراء كبار الشركات العالمية، في استفتاء نوعي، عن أهم وأصعب المشاكل التي تقابلهم وستظل عالقة لفترة من الزمن في طريق الشركات. وأجاب الكثير منهم، ان أصعبها يتمثل في المشكلات التقنية وأكثرها خطورة هي الجرائم الالكترونية المتعددة الناتجة عن التقنيات الحديثة. اذن، التقنية والجريمة الالكترونية من المشاكل الحقيقية التي تواجهها الشركات وكل قطاعات البنوك والمال والأعمال، مما يستوجب ضرورة التكاتف لدحر الجريمة التقنية لتجنب المخاطر الخطيرة المرتبطة بها. وفي هذا الخضم، هناك محاولات عديدة تمت وما زالت مستمرة للاصطفاف في وجه الجريمة السبرانية في الاثير الواسع، ومن أهمها اصدار التشريعات النافذة لكبح الجريمة اضافة لوضع الضوابط لضمان تنفيذ وتطبيق هذه التشريعات عبر كل المستويات وخاصة ضباط الالتزام والمخاطر. وما زالت الجهود التشريعية والتنفيذية مستمرة على قدم وساق لشد الطوق حول رقبة هذه الجريمة الحديثة عابرة القارات التي لا تقف عند الحدود لطلب تأشيرة الدخول، بل تدخل مباشرة متخفية في زي خفي أثيري لا يري بالعين. وهنا مكمن الخطر.

Asia 728x90

أمريكا، وبالرغم من حرصها وضغطها الشديد في كل العالم للسيطرة علي كافة الجرائم الالكترونية، الا انها بنفسها تعاني من هذه الجريمة التي تنخر في الاقتصاد الأمريكي لتمتص من دماء الدولار المنتشر في كل الربوع والذي ترمقه كل العيون في تحفز للامتصاص أيضا. وفي كل يوم تستمر الحرب الضروس لهزيمة الطرف الآخر، ولخلق المزيد من الضوابط والاجراءات في ميدان المعركة لهزيمة الجريمة الالكترونية أو لكبح جماحها، اصدرت هيئة أسواق المال في أمريكا لائحة تلزم كل الشركات المسجلة في سوق المال بالإعلان والافصاح التام عن الاجراءات التقنية الحمائية الوقائية لمواجهة الجرائم الالكترونية التي تتعرض لها الشركة. وبجب أن يكون الافصاح شاملا في أسواق المال وبصفة خاصة لمساهمي الشركة والمستثمرين بغرض منحهم كل المعلومات بكل شفافية وبدون مراوغة أو تمويه. وهذا الافصاح يجب أن يبين برامج الحماية التقنية الوقائية المتوفرة، لصد الجريمة الالكترونية التي تتعرض لها الشركة، مع التفاصيل التي توضح اجراءات الحماية الاحترازية والفورية التي تمكن الشركة من المواجهة الكافية لهذه الجريمة عبر وسائل الشركة الداخلية أو عبر الجهات الرسمية المختصة بهذه الجرائم والتنسيق معها.

من ضمن الضوابط التي أصدرتها هيئة اسواق المال في امريكا ضرورة قيام كل الشركات المسجلة في الاسواق بوضع برامج وأنظمة كفؤة ولها المقدرة المطلوبة لتامين وحماية الشركة تقنيا وان تكون هذه الحماية متماسكة تماسك الماء حتي لا يخترقها أحد بل وحتي لا يأتي أحد بالقرب منها خوفا من العواقب وما قد يأتيه اذا اقترب من الحرم المصون للشركة. ومن المثير المفيد أن نذكر كمثال، أن هيئة أسواق المال الأمريكية تطبيقا للنظام أخذت بتلابيب “شركة الطابة”، بزعم أنها لم تمنح المستثمرين المعلومات الكافية وقامت بتضليلهم بشأن خروقات تقنية خطيرة تعرضت لها الشركة، وبالرغم من الخطر الالكتروني الكبير الذي تعرضت له الشركة الا انها لم تخطر المستثمرين بذلك. وهذه جريمة وفق لوائح وضوابط أسواق المال وكذلك التوجيهات الأخيرة التي صدرت من الهيئة بشأن الافصاح والشفافية عن كل المخاطر التقنية التي تتعرض لها الشركة. وبعد المفاوضات الشديدة وبموافقة هيئة أسواق المال، تم التوصل لتسوية قامت الشركة بموجيها بدفع غرامة مقدارها 35 مليون دولار. وهناك شركات أخري في القائمة، وهذا دلالة قوية علي ضرورة الالتزام والتنفيذ التام لتوجيهات هيئة أسواق المال وغيرها من الجهات الرسمية. الجرائم السبرانية الالكترونية التي تتعرض لها الشركات كثيرة، من ضمنها، الهاكرز الاجرامي، اختراق النظام، كشف الحسابات، كشف المعلومات الشخصية للمتعاملين مع الشركة، الابتزاز التقني، تعطيل النظام، انتهاك الخصوصية، التجسس، سرقة المعلومات أو تعديلها وغيره. وكل هذه الجرائم تضر بالشركة وملاكها والمتعاملين معها والمستثمرين.. وهذه الأضرار أيضا تلقي بظلالها علي نشاط الشركة في أسواق المال وكذلك ما ينشأ من ضرر لبقية الشركات المسجلة في أسواق المال وكل المستثمرين، وعامة الاقتصاد الوطني. ولتحميل الشركات المسجلة المسؤولية، هناك سؤال يطرأ، كيف تحدد الشركة قوة أو مقدرة الحماية التقنية المطلوبة حتي تقوم بها وتفصح عما يحدث لكل أصحاب المصلحة. الاجابة تتمثل في أن الحماية المطلوبة هي تلك الحماية “النسبية” التي يري الجميع أن لها القوة المادية المعتبرة والكافية لحماية الشركة. وبالطبع، هذا الوضع يختلف من شركة لأخري وحتى من وقت لآخر داخل الشركة. وفي جميع الأحوال، يجب أن تتضمن اجراءات افصاح الشركة مقدرتها في التحقيق، التقييم للأحداث، وكيفية تصحيح ما يطرأ والابلاغ عنه.

في نظرنا، هذه خطوات جريئة وسيكون مردود كبير لأنها تمثل خنجر مسلول لبتر الجريمة الالكترونية، التي تتطلب مواجهتها مثل هذه الخطوات الجريئة عبر هيئات وأسواق المال وغيرها من الجهات الرقابية. ونتطلع للاستفادة من هذه السابقة التي أتت أكلها لجعل التقنية الحديثة نظيفة وسليمة من الاجرام. وهذا قطعا سيغير وجه الاقتصاد وعالمنا الحديث. ونأمل الاستفادة من هذه التجارب في منطقتنا، لوقف الغزو الذي تتعرض له شركاتنا ومؤسساتنا العامة والخاصة من الجرائم الالكترونية، وهو غزو منتشر ومبرمج ولا بد من ايقافه بكل الطرق التقنية والقانونية، مع الافصاح الكامل والشفافية التامة لكل ما تم ويتم.

 د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمستشار القانوني الرئيس

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات

المنامة – المنطقة الدبلوماسية – برج الدبلومات