الخميس 23 مايو 2019 جريدة عمان سي أي اس جي 1980 (اتفاقية عقود البيع الدولية للبضائع)

د. عبد القادر ورسمه غالب

قامت الأمم المتحدة، وفي سبيل تنفيذ اختصاصاتها لتطوير التعاون والتجارة الدولية، بتشكيل أمانة لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (أمانة الأونسيترال) لإعداد اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع. وقامت أمانة الأونسيترال بإعداد اتفاقيات دولية عديدة كان لها الأثر الفعال في هذا الخصوص، منها اتفاقية التجارة الالكترونية واتفاقية التحكيم الدولي والالكتروني. والغرض المزمع من هذه الاتفاقيات دعم وتطوير الأعمال التجارية لتحقيق الرفاهية والنماء في ربوع العالم.

Asia 728x90

أوضحت المذكرة التفسيرية، الصادرة من الأونسيترال، العديد من النقاط الهامة المتعلقة بالاتفاقية للتقيد بها عند التطبيق. مع تبيان إن اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي تهدف لتقديم نصا موحدا لقانون (اتفاقية) موحد يتعلق بالبيع الدولي للبضائع. هذا مع العلم أن المحاولات الدولية لأعداد قانون موحد للبيع الدولي للبضائع بدأت في 1930 في روما ولكن توقفت بسبب الحرب العالمية. ولاحقا في 1964 تم إعادة تقديم القانون الموحد، ومن هذا المجهود تكونت البذرة لاتفاقية دولية للعناية بتقنين موضوع البيع الدولي للبضائع. ولكن ما دعي لعدم التفاعل مع هذه التوجه في الاتفاقيات السابقة وجود الأثر الأوربي المهيمن علي تلك الاتفاقيات لتحقيق مصالح هذا الجزء من العالم دون الأقطار الأخرى. وهذا يفقد الاتفاقية الصفة الدولية ويجعلها إقليمية.

وتواصلت الجهود الصادرة من أمانة الأونسيترال ووجدت الاتفاقية القبول والاعتماد من كل الدول تقريبا، ومن منا لا يرغب في  البضائع الدولية من الشرق أو الغرب، من الشمال أو الجنوب. ويظل البقاء للأفضل والأمثل. ومعيار تطبيق اتفاقية الأونسيترال أنها تسري على بيع البضائع المعقودة بين طرفين عملهما في دولتين مختلفتين وتكون كلتا الدولتين متعاقدتين أو عندما تؤدي قواعد القانون الدولي الخاص إلي تطبيق قانون دولة متعاقدة، كما يمكن تطبيق الاتفاقية باعتبارها القانون الواجب التطبيق علي العقد. وتم توسيع  نطاق التطبيق حتى يتم ضمان التنفيذ علي أكثر الدول من مناطق العالم المختلفة ترسيخا لمبدأ توسيع آفاق التجارة وتحرك البضائع بسهولة في كل الاتجاهات.

ومن المبادئ القانونية الأساسية التي تمسكت بها هذه الاتفاقية الدولية، الاعتراف بضمان الحرية التعاقدية في البيع الدولي للبضائع وذلك لأن الاتفاقية تنص علي السماح للطرفين باستبعاد تطبيق هذه الاتفاقية أو بالخروج عن أي حكم من أحكامها أو تعديل آثار هذا الحكم. وبموجب هذا يجوز للأطراف اختيار قانون دولة غير متعاقدة أو اختيار القانون الوطني لدولة متعاقدة ليكون القانون الواجب التطبيق. ولمزيد من التوضيح بالنسبة لعقود البيع الدولي للبضائع فان الاتفاقية تنص أنها تقتصر علي تكوين العقد وعلي الحقوق والواجبات التي ينشئها العقد لكل من البائع والمشتري والجزاء المتعلق بمخالفة أي طرف لالتزاماته. من أهم هذه الالتزامات علي البائع، تسليم بضائع تكون كميتها ونوعيتها وأوصافها وتغليفها وتعبئتها مطابقة لأحكام العقد مع ضرورة تسليم البضائع خالية من أي التزام أو حق أو ادعاء للغير بما في ذلك الحقوق المتعلقة بالملكية الصناعية أو أي ملكية أخري.

وتتضمن الاتفاقية الأحكام المنظمة للعرض والقبول، وكل هذه النقاط هامة لمنع اللبس أو سوء الفهم عند التطبيق، خاصة وأن الأطراف في جهات مختلفة. مع العلم أن هناك قضايا كثيرة تنشأ عن مدي انطباق وصحة المواصفات والنوعية. ومن هذا قد يكون من الأفضل للجهات المتعاقدة وضع أحكام الاتفاقية كجزء من العقد وبهذا يستفيد الأطراف من التجارب العالمية المرتبطة بكل أنواع البضائع كالشاي أو البن أو القطن أو الصمغ العربي أو غيره من المواد المستهلكة علي نطاق واسع.

إن الإشارة لتضمين الاتفاقية كجزء من العقد المبرم بين الأطراف يتيح لهم الاستفادة من عدة تجارب دولية مقننة تتمثل في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن فترة التقادم في البيع الدولي للبضائع (اتفاقية التقادم)  وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة باستخدام الخطابات الالكترونية في العقود الدولية (اتفاقية الخطابات الالكترونية) وهذه الاتفاقيات هامة لتعزيز التجارة الدولية وفق الأطر القانونية المحددة في الاتفاقيات، والإشارة لها في العقد يعطي الأطراف الحق في الاستفادة من هذا التقنين. وكمثال، فان انتشار العمليات التجارية عبر الانترنت ووسائل التقنية الحديثة والذي تنظم أحكامه اتفاقية الخطابات الالكترونية، يجعل اللجوء إلي هذه الاتفاقيات أمر مفيد في نظرنا بل حتمي. وهناك أنواع عقود مستبعدة من نطاق تطبيق الاتفاقية مثل البضائع التي تشتري للاستعمال الشخصي أو العائلية أو المنزلية أو عقود بيع المزاد أو عقود تنفيذ الحجز أو غيره من العقود التي تتم بأمر قضائي أو العقود المتعلقة بالأوراق المالية والأسهم وسندات الاستثمار والصكوك القابلة للتداول والنقود والسفن    والمراكب والطائرات والكهرباء. وهذا نظرا لأن الكثير من الدول تعتبر أن هذه العقود ذات طبيعة خاصة وأن لديها قوانين وأنظمة سارية تعكس هذه الطبيعة الخصوصية.

إن دول المنطقة تتعامل في تجارة البضائع مع كل العالم، وهذا بالطيع يشمل الصالح والطالح، والمتقدم والمتأخر، ولضمان الحقوق ولتسهيل سريان انسياب التجارة الدولية فإننا نري ضرورة انضمام كل الدول لهذه الاتفاقية، وبهذا نكون جزءا من التوجهات الدولية التي تسعي لتنظيم تقننين كل الأمور المتعلقة بالتجارة الدولية بين كل جهات العالم.

ولنتسابق في وضع يدنا مع المجتمع الدولي للاستفادة من مثل هذه المخرجات القانونية المفيدة لنا ولغيرنا بل لكل المجتمع الدولي المتطلع لانسياب التجارة في أمان وسلامة. وبانسياب التجارة تسود التنمية والرخاء مما يقود للأمان بين الشعوب.

  د. عبد القادر ورسمه غالب

 المؤسس والمستشار القانوني الرئيس —  ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات