الخميس 22 أغسطس 2019 جريدة عمان من يرث الممتلكات التقنية ؟


د. عبد القادر ورسمه غالب

في عصر ثورة تقنية المعلومات، نجد كمية كبيرة من ال “داتا” والبيانات والمعلومات الشخصية موجودة في حسابات المستخدمين في المواقع الرقمية المختلفة مثل الفيس بوك وقوقل وتويتر ولنكد ان وانستغرام وغيرها. أصبح الكثير جدا من الناس يستخدمون هذه المواقع للعديد من الأغراض وعبر هذا النشاط اليومي يتم تخزين الكثير من البيانات والمعلومات الشخصية الخاصة بهم. وهذه المعلومات تزداد كلما ازداد النشاط التقني للشخص. وهكذا، أصبح هذا العصر عصر ال “داتا” والمعلومات الرقمية.

Asia 728x90

في أثناء حياة المستخدم لا توجد مشكلة لأنه يدير حساباته بنفسه وبالتالي يتصرف كيفما شاء في البيانات والمعلومات الشخصية الخاصة به من حذف أو اضافة أو تعديل. ولكن، هناك مشاكل قانونية وتقنية تطرأ، فور وفاة الشخص صاحب الحساب. وبالطبع، فان هذه البينات والمعلومات تمثل ثروة وممتلكات تقنية خاصة به. والسؤال، هل يجوز الاطلاع واستخدام هذه البيانات والمعلومات بعد وفاته ؟ وكيف يتم الاستخدام ؟ وهل تورث هذه الثروة ومن يرث هذا الارث ؟

لقد احتل موضوع الميراث التقني للمتوفي مكانة كبيرة في المحاكم في عدة دول. ولقد شغلت قضية الشاب المنتحر في أمريكا الرأي العام بعد أن طالب والديه السماح لهم بالدخول في حساباته التقنية لمحاولة معرفة أسباب الانتحار. وهناك من يؤيدهم وهناك من يري العكس لأن المعلومات شخصية بحتة وعليه يجب أن تظل في طي الكتمان. وهذه المواقف المتباينة ستستمر طالما هناك استخدام للحسابات التقنية التي يضع فيها المستخدم الكثير من البيانات وربما يكون بعضها سري جدا لا يرغب الشخص في الكشف عنه وهو على قيد الحياة أو داخل القبر ويفضل أن يموت “سره معه”. وبالطبع، هو حر في هذا.

ولتجاوز مثل هذه المواقف، يوجد الكثير من الأشخاص الذين يخططون وهم على قيد الحياة لطريقة تسليم ممتلكاتهم التقنية وتنظيم كيفية توزيع هذا الميراث والتصرف فيه بعد الوفاة. وغالبا، هم يلجأون لهذا لأن ترك الأمر للصدفة لن يمكنهم من التحكم في هذه الأرث واستخدامه لأنهم غائبون عن الحياة. وبالطبع، مثل هذا التخطيط المسبق سيكون له انعاساته المفيدة بل والمريحة.

والارث الرقمي يشمل، مجموعة من التذكارات الشخصية جدا من الصور والكتب ومراسلات البريد الالكترونية والمدونات والحسابات الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي وكل ما يقع في هذا الاطار من أعمال تقنية. ومن دون شك، مثل هذه المعلومات لها قيمة معنوية كبيرة جدا وبثمن باهظ. وتوجد الآن أنظمة قانونبة خاصة بتأسيس “نظام لادارة ميراث الممتلكات الرقمية”، وهناك بعض البلدان التي توجد بها قوانين تسمح لأقارب المتوفي بالدخول على ممتلكاته الالكترونية. وسبق أن أصدرت قوقل على صفحتها اعلانا واضحا مكتوب عليه “أخبرنا الآن بما تريد فعله بحسابك بعد الوفاة”، وذلك يتم من خلال عدة خيارات يقدمها الموقع لصاحب الحساب، ومنها أن يتم حذف حسابه أو أن يسمح لقوقل بأن تقوم بتعيين شخص “وصي” على حسابه يقوم بالاطلاع على جميع حساباته اذا لم يكن تم الدخول عليها لفترة تترواح ما بين ثلاثى أشهر وسنة. وقبل اتمام هذا الاجراء ستقوم الشركة بارسال رسائل تذكيرية عدة على عناوين البريد الالكتروني البديلة وكذلك الهواتف في محاولة أخيرة للاتصال بالشخص. ونعتقد أن هذا اجراء تحوطي هام من قوقل، وفيه تنبيه للأشخاص بما يجب الاستعداد له.

ان وجود مثل هذه القوانين، التي تسمح بالدخول في حسابات المتوفي، يعتبر في نظرنا أمر هام جدا، لأن عدم وجود القوانين يعني عودة ملكية الملف الشخصي الخاص بالمتوفي للشركة التي تملك الموقع مثل الفيسبوك وقوقل وتويتر وغيرها. وهذه الشركات لا تملك هذا الحق اذا حدد المتوفي شخصا معينا تعود اليه ملكية هذه الممتلكات التقنية. ولكن، وامعانا في الخصوصية هناك بعض التوجهات باصدار التشريعات التي تمنع أي شخص ما عدا الذي تحدده المحكمة أو الوصي الدخول على معلومات المتوفي والاطلاع عليها.

مع هذا الوضع، ننصح باعداد “وصية” خاصة بها البيانات الضرورية التي تتعلق بكيفية التعامل مع الممتلكات التفنية بعد الوفاة، ومن يجوز له التعامل مع هذا الأرث الهام جدا. وبالعدم، ستختفي هذه الثروة الهامة وتقبر مع صاحبها، وربما يكون في هذا ضرر للورثة أو لغيرهم من المستفيدين المحتملين. وقبل فوات الأوان، علينا الاستعداد والتجهيز لنقل ثروتنا التقنية لمن يستفسد منها أو يفيد بها غيره ومجتمعه. وفي هذا، قد يكون، استمرار للحياة بعد الممات.

د. عبد القادر ورسمه غالب

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات

البحرين \ دبي