الخميس 2 أبريل 2020 جريدة عمان البنوك وصناعة تحريك أسواق المال

. عبد القادر ورسمه غالب

يمر العالم الآن في كل أركانه بأزمة خطيرة تؤثر على مصيره بسبب جائحة فيروس كورونا، الذي طوق العالم من تلابيبه وحصد الأرواح وأقعد الملايين وأفزع كل البشرية. وبسبب هذا الفيروس القاتل الذي لا يري بالعين المجردة ولا يعرف كنهه، تأثرت الحياة الاجتماعية في شتي مرافقها حيث توقف دولاب العمل والانتاج وأزيز المصانع وأصوات العمال ومحركات الطائرات والمواصلات لحد كبير ومؤثر خاصة على الحركة الاقتصادية والمالية والتجارية. وهذا الكساد سيضر بالجميع، الأغنياء قبل الفقراء.

Asia 728x90

ومن أكثر الجهات تأثرا سلبيا، أسواق المال والبورصات التي كانت تنبض بالحياة وتضع المؤشرات للحركة الاقتصادية العالمية ليعلم الجميع ويخطط المخططون للمستقبل. وبانتشار الوباء، انحسر العمل في أسواق المال وتدهورت الأسعار وحدثت “ربكة” أو “صدمة” لم يفيق منها الكثيرون حتى الآن. وأسواق المال تمثل “ترمومتر” لقياس درجة حرارة الحركة الاقتصادية الاستثمارية، وتقوم الأسواق بدور كبير في توفير المكان والبيئة المناسبة لبيع وشراء الأسهم والأوراق المالية عبر ضوابط قانونية وتنظيمية صارمة توفر الحماية الكاملة للمستثمرين في هذه البضاعة المهمة، وهذا بدوره يعزز نشاط الشركات المدرجة في الأسواق ويجعلها تعمل في أطر قانونية سليمة متطورة وشفافة. في العادة تحرص الأسواق على توفير ما يدعو لتنشيط الاستثمار فيها بإدراج الشركات وفق الضوابط القانونية، ومنح التراخيص المطلوبة للوسطاء من أصحاب الخبرات للقيام بالبيع والشراء نيابة عن المستثمرين وأيضا يتم هذا وفق الضوابط القانونية المتعارف عليها في كل مراحل البيع والشراء حتي نهاية العملية.

ومن هذا النشاط، المحموم تكون أسواق المال لاعبا رئيسيا في دفع الحركة التجارية والاستثمارية مما يعود بالنفع على الاقتصاد وتحريك كل مجالاته. ولتحقيق أعلى درجات الفائدة من نشاط الأسواق، فإنها تظل تعمل دون كلل أو ملل، لتشجيع ودعم كل ما يحرك الأسواق مع العمل على تفعيله لتقديم الفائدة المباشرة لقطاعات المستثمرين في أسواق المال، وكذلك لتدعيم البنية الأساسية لتطوير أدوات الأسواق لزيادة وتنويع المنتجات لرفع معدل التنافسية في الأسواق وفق ضوابط الافصاح والشفافية السارية.

ولكن كل هذا الآن شبه متوقف بسبب هذا الوباء اللعين الذي نهش، وبدون رحمة، قلب الحركة التجارية والاقتصادية وابتعد المستثمرون هربا باموالهم. وفي مثل هذه الحالات لا بد من النشاط المحموم ل “صانع السوق”. وصانع السوق، في أسواق المال، دائما من البنوك أو الشركات ذات رأس المال الكبير ويكون لهم الاستعداد التام لشراء الأصول المالية أو بيعها بسعر محدد وواضح على المدى الطويل. وتشترك هذه البنوك والشركات في العمليات مباشرة إما بصفتها بائع أو مشتر. كما تقوم، الى حد بعيد، بتحديد أسعار بيع أو شراء أدوات التداول الخاصة. ويتمثل الدور الأساسي لصانع السوق في توفير السيولة أو خلق الفرص للمستثمرين في السوق لدفعهم لشراء مجموعة كبيرة من الأسهم والعملات والعقود الآجلة وأدوات التداول الأخرى أو بيعها بسعر محدد واضح.

وهذا مطلوب الآن، في هذه الظروف العصيبة، لتحريك السوق ودعمه ليعود كما كان في حركة دؤوبة. خاصة، وأن نظام صانع السوق يمنح أسواق المال عمقا مؤسسيا واستثماريا لدرجة كبيرة تقلل من الفجوة بين العرض والطلب للأسهم المدرجة. وصانع السوق يخاطر بأمواله نظرًا لأنه دائما “الطرف الآخر” في أي صفقة، ومن أجل هذا السبب عليه دائما القيام باتخاذ دور مهني يؤهله لوضع العديد من الاستراتيجيات المطلوبة لتوفير الضمان “التحوط” ضد الخسائر. وهذا عمل فني محض يتطلب دراية ومعرفة مهنية، وهي متوفرة لدي معظم البنوك الرائدة، وهناك الكثير من بنوك الاستثمار التي تلعب هذا الدور الفني بكل اقتدار وحنكة.

مع العلم أنه، لتحديد ما اذا كان البنك أو “الشركة” من صناع السوق يجب أن تكون حصته من اجمالي حجم التداول بنسبة واضحة من رأسماله لأن الأمر يقاس هنا بقدرة البنك على التأثير في تحركات السوق من خلال طرح أسعاره للبيع والشراء. وصانع السوق، من الناحية الفنية، يختلف دوره عن الوسطاء الذين يعملون في الغالب وفق تعليمات وتفويض الزبائن وهو لا يعمل وسيطاً أو وصياً لمعاملات الزبائن  المستثمرين بل يعمل في السوق حسب سياسته بعد اتخاذ اجراءات التحوط المالي المطلوب في ما بين توفير السيولة النقدية ورأس المال.

وللمزيد من التوضيح، فان صانع السوق يعتبر هو المقابل لكل عمليات الزبائن مجتمعة، وهو دائما يوفر ويعرض شقين للأسعار (الشراء والبيع) وهذا يعتمد على قوى السوق في ذلك الوقت، ومصدر دخله يتمثل في فروقات السعر بين أسعار العرض والطلب. ويبقى صانع السوق على الحياد بالنسبة للزبون، ولهذا ليس هناك أي علاقة شخصية تتعلق بإدارة الاستثمار في الأسواق بين صانع السوق والزبائن. بل ان صانع السوق في عمله يعبر عن مجموع تعاملات كل الزبائن، وفي هذا عليه الحرص في الموازنة بين تعاملات الزبائن والتحوطات المالية الواجب عليه اتخاذها وفق سياسته لإدارة المخاطر وكذلك التوجيهات الصادرة من السلطات الاشرافية الرقابية.

يجب على صانع السوق أن يكون دائما على أهبة الاستعداد لشراء الأصول المالية أو بيعها بسعر محدد واضح على المدى الطويل. ويشترك صانع السوق في المعاملات التجارية بصفة مباشرة بصفته بائعا أو مشتريا ويحدد أسعار بيع أو شراء أدوات التداول الخاصة. ومن هذا يتضح أن الدور الأساسي لصانع السوق يتمثل في توفير السيولة أو خلق فرص للمستثمرين في السوق لشراء مجموعة كبيرة من الأسهم والعملات والعقود الآجلة وأدوات التداول الأخرى وفق الطرق القانونية السليمة أو بيعها بسعر محدد وواضح.

ويتبين من النشاط أن صانع السوق، كما ذكرنا، يخاطر بأمواله نظرا لأنه دائما الطرف الآخر في أي صفقة، ولذا فعليه دائما وضع الاستراتيجيات الاحترازية التحوطية للضمان ضد الخسائر. كل هذا يجب أن يتم وفق الأنظمة والتشريعات التي تحكم عمل صانع السوق مع مراعاة الإفصاح والشفافية في التعامل، وفي تحديد الأسعار بناء على تفاعل طبيعي يوضح أن صانع السوق يعزز فرص التداول على الأوراق المالية المختارة من خلال ضمان أن المستثمرين يمكنهم تنفيذ أوامر البيع والشراء الخاصة بهم في أي وقت من الأوقات على أفضل سعر ممكن.

وهذا الوضع بدوره، يؤدي إلى تحسين استقرار الأسعار ودخول أحجام أكبر من أوامر البيع والشراء في سجل الأوامر مع مرور الوقت. ولا بد من القول، أنه في ظل وجود صانع السوق، من الصعوبة أن تتدفق عروض بيع من دون أن تقابلها طلبات شراء أو تتدفق طلبات شراء من دون أن تقابلها أوامر بيع. وبالتالي، وبفضل صانع السوق فان أسواق المال تحتفظ في أغلب الأوقات بتوازن بين العرض والطلب وهذا بدوره يعمل على تضييق الفجوة بين سعري البيع والشراء. ان دور صانع السوق يلعب وبدرجة مؤثرة في ثبات واستقرار الأسعار وفق قيمتها العادلة وهذا هو المطلب الأساسي، في نظرنا، لقيام أسواق المال ولتحقيق فلسفتها الهادفة. وللأهمية، نتطلع لقيام أسواقنا بعمل كل المطلوب لخلق “صناع السوق” ولتمكين هذه الفئة الهامة جدا من تنفيذ أدوارهم سعيا لتحقيق الفائدة المنشودة في ومن أسواقنا، ومن ثم دفع الحركة الاقتصادية الاستثمارية في هذا المجال الحيوي.

د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات البحرين \ دبي